ديسمبر
04
حقائق الإيمان: الحكم بالاسلام لفضيلة الشيخ أبى أحمد عبد الرحمن المصرى حفظه الله
التصنيف العام التعقيبات (0) التعليقات (1)... حقائق الإيمان: الحكم بالاسلام
الحكم بالإسلام
يقول الإمام الكاساني أن حكم الإسلام يستفاد من ثلاثة طرق :النص والدلالة والتبعية ،وهي أحكام وضعية تكون دلالة على الأحكام التكليفية أي الحقيقة وهي تخص الكافر أو الوثني في طريق دخوله الإسلام
الأول :- الحكم بالإسلام بطريق النص
أَمَّا النَّصُّ فَهُو:َ لَفْظٌ يَدُلُّ عَلَي أنه قبل الإسلام ِ دينا قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إليكُمْ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً ) (94) النساء
قال القرطبي- رحمه الله- ( إذا خرجتم للجهاد كما سبق به الامر فحييتم في سفركم بتحية الاسلام، فلا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا، بل ردوا جواب السلام، فإن أحكام الاسلام تجري عليهم)
(عن ابن عباس قوله:"ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنًا"، قال: حرم الله على المؤمنين أن يقولوا لمن شهد أن لا إله إلا الله:"لست مؤمنًا"، كما حرم عليهم الميْتَة، فهو آمن على ماله ودمه، لا تردّوا عليه قوله)
عن أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: (بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْحُرَقَةِ فَصَبَّحْنَا الْقَوْمَ فَهَزَمْنَاهُمْ وَلَحِقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ رَجُلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا غَشِينَاهُ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَكَفَّ الْأَنْصَارِيُّ فَطَعَنْتُهُ بِرُمْحِي حَتَّى قَتَلْتُهُ فَلَمَّا قَدِمْنَا بَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا أُسَامَةُ أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قُلْتُ كَانَ مُتَعَوِّذًا فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ)
وعن سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَمَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي نَفْسَهُ وَمَالَهُ إِلَّا بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّه)
عن أبي مالك عن أبيه قال سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول :[ من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله] [ ]
عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجَارِيَةٍ لَهُ سَوْدَاءَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ عَلَيَّ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً فَإِنْ كُنْتَ تَرَاهَا مُؤْمِنَةً أُعْتِقُهَا فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :أَتَشْهَدِينَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَالَتْ نَعَمْ قَالَ أَتَشْهَدِينَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قَالَتْ نَعَمْ قَالَ أَتُوقِنِينَ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ قَالَتْ نَعَمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْتِقْهَا)
وعَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى بَنِي جَذِيمَةَ فَدَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ فَلَمْ يُحْسِنُوا أَنْ يَقُولُوا أَسْلَمْنَا فَجَعَلُوا يَقُولُونَ صَبَأْنَا صَبَأْنَا فَجَعَلَ خَالِدٌ يَقْتُلُ مِنْهُمْ وَيَأْسِرُ وَدَفَعَ إِلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنَّا أَسِيرَهُ حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمٌ أَمَرَ خَالِدٌ أَنْ يَقْتُلَ كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا أَسِيرَهُ فَقُلْتُ وَاللَّهِ لَا أَقْتُلُ أَسِيرِي وَلَا يَقْتُلُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِي أَسِيرَهُ حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْنَاهُ فَرَفَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ مَرَّتَيْنِ )
ووجه الدلالة أن تبرأ النبى – صلى الله عليه وسلم - من فعل خالد يدل على عدم الرضى عن فعله وأنه قتل من لا يجوز قتله مع أن القوم لم ينطقوا حتى بالشهادة صريحة ولكن قالوا صبأنا وهى كلمة لا تعنى إلا مجرد الخروج من دين إلى دين ، وليست خاصة بالخروج من دين الكفر إلى دين الإسلام ، إلا أنه لما نطق القوم بها وهم على دين غير دين الإسلام ، فقد احتمل أنهم خرجوا من دينهم إلى الدين الذى يُقَاتلون من أجله وهو دين الإسلام ، فدل هذا على وجوب الكف عمن نطق بما يحتمل معه دخوله فى الإسلام0
يقول ابن القيم-رحمه الله تعالى- فى قصة وفد نجران : (أَنّ إقْرَارَ الْكَاهِنِ الْكِتَابِيّ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأَنّهُ نَبِيّ لَا يُدْخِلُهُ فِي الْإِسْلَامِ مَا لَمْ يَلْتَزِمْ طَاعَتَهُ وَمُتَابَعَتَهُ فَإِذَا تَمَسّكَ بِدِينِهِ بَعْدَ هَذَا الْإِقْرَارِ لَا يَكُونُ رِدّةً مِنْهُ وَنَظِيرُ هَذَا قَوْلُ الْحَبْرَيْنِ لَهُ وَقَدْ سَأَلَاهُ عَنْ ثَلَاثِ مَسَائِلَ فَلَمّا أَجَابَهُمَا قَالَا : نَشْهَدُ أَنّك نَبِيّ قَالَ فَمَا يَمْنَعُكُمَا مِنْ اتّبَاعِي ؟ قَالَا : نَخَافُ أَنْ تَقْتُلَنَا الْيَهُودُ وَلَمْ يُلْزِمْهُمَا بِذَلِكَ الْإِسْلَامَ . وَنَظِيرُ ذَلِكَ شَهَادَةُ عَمّهِ أَبِي طَالِبٍ لَهُ بِأَنّهُ صَادِقٌ وَأَنّ دِينَهُ مِنْ خَيْرِ أَدْيَانِ الْبَرِيّةِ دِينًا وَلَمْ تُدْخِلْهُ هَذِهِ الشّهَادَةُ فِي الْإِسْلَامِ . وَمَنْ تَأَمّلَ مَا فِي السّيَرِ وَالْأَخْبَارِ الثّابِتَةِ مِنْ شَهَادَةِ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ لَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالرّسَالَةِ وَأَنّهُ صَادِقٌ فَلَمْ تُدْخِلْهُمْ هَذِهِ الشّهَادَةُ فِي الْإِسْلَامِ عَلِمَ أَنّ الْإِسْلَامَ أَمْرٌ وَرَاءَ ذَلِكَ وَأَنّهُ لَيْسَ هُوَ الْمَعْرِفَةَ فَقَطْ وَلَا الْمَعْرِفَةُ وَالْإِقْرَارُ فَقَطْ بَلْ الْمَعْرِفَةُ وَالْإِقْرَارُ وَالِانْقِيَادُ وَالْتِزَامُ طَاعَتِهِ وَدِينِهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا .
ثم يقول 00وَأَهْلُ الْكِتَابَيْنِ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنّ نَبِيّا يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزّمَانِ وَهُمْ يَنْتَظِرُونَهُ وَلَا يَشُكّ عُلَمَاؤُهُمْ فِي أَنّهُ مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ وَإِنّمَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ الدّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ رِئَاسَتُهُمْ عَلَى قَوْمِهِمْ وَخُضُوعُهُمْ لَهُمْ وَمَا يَنَالُونَهُ مِنْهُمْ مِنْ الْمَالِ وَالْجَاهِ ) - ومن هنا كان هذا الإخبار لا يدل على التزام الإسلام كذلك من قال لا إله إلا الله مع بقائه على الشرك 0
وقال السدي : لما أسر العباس وَعقِيل ونَوْفَل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم َ لِلْعَبَّاسِ يَا عَبَّاسُ (افْدِ نَفْسَكَ وَابْنَ أَخِيكَ عَقِيلَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَنَوْفَلَ بْنَ الْحَارِثِ وَحَلِيفَكَ عُتْبَةَ بْنَ جَحْدَمٍ أَحَدُ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ قَالَ فَأَبَى وَقَالَ إِنِّي كُنْتُ مُسْلِمًا قَبْلَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا اسْتَكْرَهُونِي قَالَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِشَأْنِكَ إِنْ يَكُ مَا تَدَّعِي حَقًّا فَاللَّهُ يَجْزِيكَ بِذَلِكَ وَأَمَّا ظَاهِرُ أَمْرِكَ فَقَدْ كَانَ عَلَيْنَا فَافْدِ نَفْسَكَ ) وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مَعَ أُمِّهِ مِنْ الْمُسْتَضْعَفِينَ وَلَمْ يَكُنْ مَعَ أَبِيهِ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ )
وما ذكره البخارى : عن جرير البجلى قال: ( وَلَمَّا قَدِمَ جَرِيرٌ الْيَمَنَ كَانَ بِهَا رَجُلٌ يَسْتَقْسِمُ بِالْأَزْلَامِ فَقِيلَ لَهُ إِنَّ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَا هُنَا فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْكَ ضَرَبَ عُنُقَكَ قَالَ فَبَيْنَمَا هُوَ يَضْرِبُ بِهَا إِذْ وَقَفَ عَلَيْهِ جَرِيرٌ فَقَالَ لَتَكْسِرَنَّهَا وَلَتَشْهَدَنَّ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَوْ لَأَضْرِبَنَّ عُنُقَكَ قَالَ فَكَسَرَهَا وَشَهِدَ ) فلم يأمره بقول لا إله إلا الله قبل أن يكسر ما معه من أدوات الشرك التى يعمل بها ، ثم أمره بعد كسرها بالشهادة حتى تكون دالة على التزام الإسلام وابتعاده عن الشرك - والقاعدة تقول لا عبرة بأقوال كذبتها الأفعال.
يتبين مما سبق:
1- يحكم بالإسلام للمرء بمجرد التلفظ ما لم يقترن مع تلفظه بما يدل على بقائه على الشرك أو مظاهرة المشركين أو امتناعه عن قبول الحكم ويفترض فيه ترك الشرك والتزام الشرائع0
2- إذا اقترن مع التلفظ ما يدل دلالة قطعية على الشرك ، أو رفض الشرائع أو مظاهرة المشركين ، فلا عبرة بأقوال كذبتها الأفعال ، فلا يحكم بالإسلام فى هذه الحالة0
3- إذا وجد ما يفسد دلالة الكلمة على الإسلام ، فلابد من إزالة الالتباس والمسألة مسألة دلالة ، فقد تكفى الشهادتان وقد لا تكفيان فى حق أقوام معينين ، وقد يقوم مقامها ما فى معناها ، وقد يكفى ما هو دونها من التلفظ ، والعبرة هى بالدلالة على تحقق التوحيد.
4- لا يمكن بعد هذا أن يقال أن النطق هو مجرد كلام لا حقيقة له ، بحيث لا يدل على شئ ، وأن المطلوب هو مجرد التلفظ ، لأن الكلام لا يراد لذاته ، وإنما يراد لمعانيه ، فكيف فى الحديث عن حقيقة الإسلام التى عليها الثواب والعقاب فى الآخرة ، فهل يقبل بحيث يقال إن مجرد التلفظ يدخل به الجنة وإن فعل ما فعل ، سبحانك هذا بهتان عظيم 0
ولكن لما كانت الألفاظ لا تراد لذاتها ، وإنما تراد لدلالتها على معانيها كان التوحيد هو تحقيق القول ، وكان توحيد الإله نفى الصاحبة والولد عنه ، وأنه لم يتخذ الملائكة إناثا ، وأنه سبحانه لا شبيه له فى ذاته أو صفاته ، ولا شريك له فى خلقه أو أمره ، وأنه-سبحانه متفرد بالعبادة من نسك وتشريع وولاية 0
وإذا كانت الألفاظ تراد لذاتها ما أوجب الشرع على الناطق أن يكفر بالطاغوت وأن يخرج مما كان عليه من الشرك ، من التحاكم إلى الكهان ، وعبادة الأصنام ، ومظاهرة المشركين ،...الخ كما قال صلى الله عليه وسلم (وكفر بما يعبد من دون الله )فمن ذهب إلى أن القول وحده كاف لتحقيق التوحيد والنجاة في الآخرة فهومكذب لصريح القرآن ، (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى)(البقرة: من الآية256)
وهذه هى أقوال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله تعالى ]-[ من وحد الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله تعالى ) ومن هنا يتبين لناعلى وجه القطع أنه لايقبل إسلام أي أحد إلا من حيث دلالته على التزام التوحيد وترك الشرك [ أى الحقيقة ] .
السبب الثانى : الحكم بالإسلام بطريق الدلالة :
وَأَمَّا : الدَّلَالَةُ فَهِيَ فِعْلٌ يَدُلُّ عَلَى قَبُولِ الإسلام دينا وهو أن يؤدي من عُرف بالكفر أحد الأفعال التى يؤديها المسلمون كالصلاة والحج والأذان وغيرها من العبادات التى تميز المسلم عن غيره من أهل الملل الأخرى والديانات الأخرى 0
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا فَذَلِكَ الْمُسْلِمُ الَّذِي لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ فَلَا تُخْفِرُوا اللَّهَ فِي ذِمَّتِهِ )
وقال الشافعي : ـ إن صلى في دار الحرب حكم بإسلامه ، وإن صلى في دار الإسلام لم يحكم بإسلامه0
أورد صاحب المغنى : (إذا صلى الكافر حكم بإسلامه ، سواء كان في دار الحرب أو دار الإسلام أو صلى جماعة أو فردا.
قال أبو حنيفة إذا صلى الكافر في جماعة أو بجماعة حكم بإسلامه - وكذا إن صلى منفردا في مسجده وكذا إن أذن حيث يؤذن المسلمون 0
وقال أحمد : يحكم بإسلامه بالصلاة بكل حال0
ومع التسليم بأن هذه الأعمال قد لا تكون دليلا قاطعاً على اعتبار الإسلام ، فلا أقل من أن تكون شبهة يحتمل معها الدخول فى الإسلام وهذا كاف فى وجوب الكف عنه ، وإثبات العصمة له )
السبب الثالث : الإسلام الحكمى بطريق التبعية :
قد لا يصح إسلام المرء بنفسه تصريحا ، أو دلالة لكونه غير مكلف ، كما لو كان صغيرا أو مجنونا ، فيحكم بإسلامه تبعا لغيره ممن يصح إسلامه بنفسه وتربطه رابطة بالصغير0
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الصغير والمجنون هنا لا يقصد بإثبات الإسلام الحكمى لهما تبعا لغيرهما- إثبات العصمة لهما ، لأن الصبى والمجنون معصومان أصلا ، حيث إن الإهدار عقوبة. وهما ليسا من أهل العقوبة ، وإنما فائدة إثبات الإسلام لهما مع الصغر والجنون ، هو معرفة حكمهما بعد البلوغ أو الإفاقة فمن أثبت له حكم الإسلام صغيرا أو مجنونا فهو على عصمته وإن رجع إلى الكفر اعتبر مرتدا ويقتل حينئذ ، ومن حسن إسلامه بقى على عصمته 0
أ- تبعية الصغير ومن فى حكمه تبعاً للوالدين أو أحدهما :
ذهب جمهور الفقهاء إلى اعتبار الصغار ومن فى حكمهم من الأبناء الكبار وهم الْمَجَانِينُ وكذا الْحَمْلُ مسلمين ،بإسلام أحد الأبوين مطلقا لانتفاء الفارق بين الأب والأم فى جهة تبعية الأولاد لهما، فالمراعى جانب الإسلام على كل حال، لأن الإسلام يعلوا ولا يعلى عليه ] - قال تعالى { آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ } 21- الطور
وذكر ابن حزم فى مراتب الإجماع ( واتفقوا أن من أسلم أبواه وهو صغير في حجرهما لم يبلغ أنه مسلم بإسلامها)
ب- تبعية الدار :
نقل ابن المنذر إجماع العلماء - على أن الطفل إن وجد فى بلاد المسلمين فى أى مكان وجد ميتا أن غسله ودفنه يجب فى مقابر المسلمين ومنعوا أن يدفن أطفال المشركين فى مقابر المسلمين – [ ] ومعنى كلام بن المنذر أن لقيط دار الإسلام مسلم ، بدليل أنه لو وجد ميتا يجب أن يغسل ويدفن فى مقابر المسلمين،ولو لم يحكم بإسلامه لم يجب ذلك0 ولا خلاف بين الفقهاء حول الحكم بإسلام الصغير إن التقط صغيرا فى بلاد المسلمين وكان الملتقط مسلما، وكذلك حول الحكم بكفر الصغير إن التقط فى بلاد الكفر وكان الملتقط كافرا [ ]
وقَوْلُ النَّبِيِّ ( : كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ ).مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
فَجَعَلَ كُفْرَهُ بِفِعْلِ أَبَوَيْهِ ، فَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا ، انْقَطَعْت التَّبَعِيَّةُ ، فَوَجَبَ إبْقَاؤُهُ عَلَى الْفِطْرَةِ الَّتِي وُلِدَ عَلَيْهَا ، وَلِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَفْرُوضَةٌ فِيمَنْ مَاتَ أَبُوهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ، وَقَضِيَّةُ الدَّارِ الْحُكْمُ بِإِسْلَامِ أَهْلِهَا ، وَلِذَلِكَ حَكَمْنَا بِإِسْلَامِ لَقِيطِهَا ، وَإِنَّمَا ثَبَتَ الْكُفْرُ لِلطِّفْلِ الَّذِي لَهُ أَبَوَانِ ، فَإِذَا عُدِمَا أَوْ أَحَدُهُمَا ، وَجَبَ إبْقَاؤُهُ عَلَى حُكْمِ الدَّارِ ، لِانْقِطَاعِ تَبَعِيَّتِهِ لِمَنْ يُكَفَّرُ بِهَا [ ] ) 0
يقول الإمام الكاساني أن حكم الإسلام يستفاد من ثلاثة طرق :النص والدلالة والتبعية ،وهي أحكام وضعية تكون دلالة على الأحكام التكليفية أي الحقيقة وهي تخص الكافر أو الوثني في طريق دخوله الإسلام
الأول :- الحكم بالإسلام بطريق النص
أَمَّا النَّصُّ فَهُو:َ لَفْظٌ يَدُلُّ عَلَي أنه قبل الإسلام ِ دينا قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إليكُمْ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً ) (94) النساء
قال القرطبي- رحمه الله- ( إذا خرجتم للجهاد كما سبق به الامر فحييتم في سفركم بتحية الاسلام، فلا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا، بل ردوا جواب السلام، فإن أحكام الاسلام تجري عليهم)
(عن ابن عباس قوله:"ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنًا"، قال: حرم الله على المؤمنين أن يقولوا لمن شهد أن لا إله إلا الله:"لست مؤمنًا"، كما حرم عليهم الميْتَة، فهو آمن على ماله ودمه، لا تردّوا عليه قوله)
عن أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: (بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْحُرَقَةِ فَصَبَّحْنَا الْقَوْمَ فَهَزَمْنَاهُمْ وَلَحِقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ رَجُلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا غَشِينَاهُ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَكَفَّ الْأَنْصَارِيُّ فَطَعَنْتُهُ بِرُمْحِي حَتَّى قَتَلْتُهُ فَلَمَّا قَدِمْنَا بَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا أُسَامَةُ أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قُلْتُ كَانَ مُتَعَوِّذًا فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ)
وعن سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَمَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي نَفْسَهُ وَمَالَهُ إِلَّا بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّه)
عن أبي مالك عن أبيه قال سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول :[ من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله] [ ]
عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجَارِيَةٍ لَهُ سَوْدَاءَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ عَلَيَّ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً فَإِنْ كُنْتَ تَرَاهَا مُؤْمِنَةً أُعْتِقُهَا فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :أَتَشْهَدِينَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَالَتْ نَعَمْ قَالَ أَتَشْهَدِينَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قَالَتْ نَعَمْ قَالَ أَتُوقِنِينَ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ قَالَتْ نَعَمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْتِقْهَا)
وعَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى بَنِي جَذِيمَةَ فَدَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ فَلَمْ يُحْسِنُوا أَنْ يَقُولُوا أَسْلَمْنَا فَجَعَلُوا يَقُولُونَ صَبَأْنَا صَبَأْنَا فَجَعَلَ خَالِدٌ يَقْتُلُ مِنْهُمْ وَيَأْسِرُ وَدَفَعَ إِلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنَّا أَسِيرَهُ حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمٌ أَمَرَ خَالِدٌ أَنْ يَقْتُلَ كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا أَسِيرَهُ فَقُلْتُ وَاللَّهِ لَا أَقْتُلُ أَسِيرِي وَلَا يَقْتُلُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِي أَسِيرَهُ حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْنَاهُ فَرَفَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ مَرَّتَيْنِ )
ووجه الدلالة أن تبرأ النبى – صلى الله عليه وسلم - من فعل خالد يدل على عدم الرضى عن فعله وأنه قتل من لا يجوز قتله مع أن القوم لم ينطقوا حتى بالشهادة صريحة ولكن قالوا صبأنا وهى كلمة لا تعنى إلا مجرد الخروج من دين إلى دين ، وليست خاصة بالخروج من دين الكفر إلى دين الإسلام ، إلا أنه لما نطق القوم بها وهم على دين غير دين الإسلام ، فقد احتمل أنهم خرجوا من دينهم إلى الدين الذى يُقَاتلون من أجله وهو دين الإسلام ، فدل هذا على وجوب الكف عمن نطق بما يحتمل معه دخوله فى الإسلام0
يقول ابن القيم-رحمه الله تعالى- فى قصة وفد نجران : (أَنّ إقْرَارَ الْكَاهِنِ الْكِتَابِيّ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأَنّهُ نَبِيّ لَا يُدْخِلُهُ فِي الْإِسْلَامِ مَا لَمْ يَلْتَزِمْ طَاعَتَهُ وَمُتَابَعَتَهُ فَإِذَا تَمَسّكَ بِدِينِهِ بَعْدَ هَذَا الْإِقْرَارِ لَا يَكُونُ رِدّةً مِنْهُ وَنَظِيرُ هَذَا قَوْلُ الْحَبْرَيْنِ لَهُ وَقَدْ سَأَلَاهُ عَنْ ثَلَاثِ مَسَائِلَ فَلَمّا أَجَابَهُمَا قَالَا : نَشْهَدُ أَنّك نَبِيّ قَالَ فَمَا يَمْنَعُكُمَا مِنْ اتّبَاعِي ؟ قَالَا : نَخَافُ أَنْ تَقْتُلَنَا الْيَهُودُ وَلَمْ يُلْزِمْهُمَا بِذَلِكَ الْإِسْلَامَ . وَنَظِيرُ ذَلِكَ شَهَادَةُ عَمّهِ أَبِي طَالِبٍ لَهُ بِأَنّهُ صَادِقٌ وَأَنّ دِينَهُ مِنْ خَيْرِ أَدْيَانِ الْبَرِيّةِ دِينًا وَلَمْ تُدْخِلْهُ هَذِهِ الشّهَادَةُ فِي الْإِسْلَامِ . وَمَنْ تَأَمّلَ مَا فِي السّيَرِ وَالْأَخْبَارِ الثّابِتَةِ مِنْ شَهَادَةِ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ لَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالرّسَالَةِ وَأَنّهُ صَادِقٌ فَلَمْ تُدْخِلْهُمْ هَذِهِ الشّهَادَةُ فِي الْإِسْلَامِ عَلِمَ أَنّ الْإِسْلَامَ أَمْرٌ وَرَاءَ ذَلِكَ وَأَنّهُ لَيْسَ هُوَ الْمَعْرِفَةَ فَقَطْ وَلَا الْمَعْرِفَةُ وَالْإِقْرَارُ فَقَطْ بَلْ الْمَعْرِفَةُ وَالْإِقْرَارُ وَالِانْقِيَادُ وَالْتِزَامُ طَاعَتِهِ وَدِينِهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا .
ثم يقول 00وَأَهْلُ الْكِتَابَيْنِ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنّ نَبِيّا يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزّمَانِ وَهُمْ يَنْتَظِرُونَهُ وَلَا يَشُكّ عُلَمَاؤُهُمْ فِي أَنّهُ مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ وَإِنّمَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ الدّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ رِئَاسَتُهُمْ عَلَى قَوْمِهِمْ وَخُضُوعُهُمْ لَهُمْ وَمَا يَنَالُونَهُ مِنْهُمْ مِنْ الْمَالِ وَالْجَاهِ ) - ومن هنا كان هذا الإخبار لا يدل على التزام الإسلام كذلك من قال لا إله إلا الله مع بقائه على الشرك 0
وقال السدي : لما أسر العباس وَعقِيل ونَوْفَل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم َ لِلْعَبَّاسِ يَا عَبَّاسُ (افْدِ نَفْسَكَ وَابْنَ أَخِيكَ عَقِيلَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَنَوْفَلَ بْنَ الْحَارِثِ وَحَلِيفَكَ عُتْبَةَ بْنَ جَحْدَمٍ أَحَدُ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ قَالَ فَأَبَى وَقَالَ إِنِّي كُنْتُ مُسْلِمًا قَبْلَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا اسْتَكْرَهُونِي قَالَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِشَأْنِكَ إِنْ يَكُ مَا تَدَّعِي حَقًّا فَاللَّهُ يَجْزِيكَ بِذَلِكَ وَأَمَّا ظَاهِرُ أَمْرِكَ فَقَدْ كَانَ عَلَيْنَا فَافْدِ نَفْسَكَ ) وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مَعَ أُمِّهِ مِنْ الْمُسْتَضْعَفِينَ وَلَمْ يَكُنْ مَعَ أَبِيهِ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ )
وما ذكره البخارى : عن جرير البجلى قال: ( وَلَمَّا قَدِمَ جَرِيرٌ الْيَمَنَ كَانَ بِهَا رَجُلٌ يَسْتَقْسِمُ بِالْأَزْلَامِ فَقِيلَ لَهُ إِنَّ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَا هُنَا فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْكَ ضَرَبَ عُنُقَكَ قَالَ فَبَيْنَمَا هُوَ يَضْرِبُ بِهَا إِذْ وَقَفَ عَلَيْهِ جَرِيرٌ فَقَالَ لَتَكْسِرَنَّهَا وَلَتَشْهَدَنَّ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَوْ لَأَضْرِبَنَّ عُنُقَكَ قَالَ فَكَسَرَهَا وَشَهِدَ ) فلم يأمره بقول لا إله إلا الله قبل أن يكسر ما معه من أدوات الشرك التى يعمل بها ، ثم أمره بعد كسرها بالشهادة حتى تكون دالة على التزام الإسلام وابتعاده عن الشرك - والقاعدة تقول لا عبرة بأقوال كذبتها الأفعال.
يتبين مما سبق:
1- يحكم بالإسلام للمرء بمجرد التلفظ ما لم يقترن مع تلفظه بما يدل على بقائه على الشرك أو مظاهرة المشركين أو امتناعه عن قبول الحكم ويفترض فيه ترك الشرك والتزام الشرائع0
2- إذا اقترن مع التلفظ ما يدل دلالة قطعية على الشرك ، أو رفض الشرائع أو مظاهرة المشركين ، فلا عبرة بأقوال كذبتها الأفعال ، فلا يحكم بالإسلام فى هذه الحالة0
3- إذا وجد ما يفسد دلالة الكلمة على الإسلام ، فلابد من إزالة الالتباس والمسألة مسألة دلالة ، فقد تكفى الشهادتان وقد لا تكفيان فى حق أقوام معينين ، وقد يقوم مقامها ما فى معناها ، وقد يكفى ما هو دونها من التلفظ ، والعبرة هى بالدلالة على تحقق التوحيد.
4- لا يمكن بعد هذا أن يقال أن النطق هو مجرد كلام لا حقيقة له ، بحيث لا يدل على شئ ، وأن المطلوب هو مجرد التلفظ ، لأن الكلام لا يراد لذاته ، وإنما يراد لمعانيه ، فكيف فى الحديث عن حقيقة الإسلام التى عليها الثواب والعقاب فى الآخرة ، فهل يقبل بحيث يقال إن مجرد التلفظ يدخل به الجنة وإن فعل ما فعل ، سبحانك هذا بهتان عظيم 0
ولكن لما كانت الألفاظ لا تراد لذاتها ، وإنما تراد لدلالتها على معانيها كان التوحيد هو تحقيق القول ، وكان توحيد الإله نفى الصاحبة والولد عنه ، وأنه لم يتخذ الملائكة إناثا ، وأنه سبحانه لا شبيه له فى ذاته أو صفاته ، ولا شريك له فى خلقه أو أمره ، وأنه-سبحانه متفرد بالعبادة من نسك وتشريع وولاية 0
وإذا كانت الألفاظ تراد لذاتها ما أوجب الشرع على الناطق أن يكفر بالطاغوت وأن يخرج مما كان عليه من الشرك ، من التحاكم إلى الكهان ، وعبادة الأصنام ، ومظاهرة المشركين ،...الخ كما قال صلى الله عليه وسلم (وكفر بما يعبد من دون الله )فمن ذهب إلى أن القول وحده كاف لتحقيق التوحيد والنجاة في الآخرة فهومكذب لصريح القرآن ، (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى)(البقرة: من الآية256)
وهذه هى أقوال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله تعالى ]-[ من وحد الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله تعالى ) ومن هنا يتبين لناعلى وجه القطع أنه لايقبل إسلام أي أحد إلا من حيث دلالته على التزام التوحيد وترك الشرك [ أى الحقيقة ] .
السبب الثانى : الحكم بالإسلام بطريق الدلالة :
وَأَمَّا : الدَّلَالَةُ فَهِيَ فِعْلٌ يَدُلُّ عَلَى قَبُولِ الإسلام دينا وهو أن يؤدي من عُرف بالكفر أحد الأفعال التى يؤديها المسلمون كالصلاة والحج والأذان وغيرها من العبادات التى تميز المسلم عن غيره من أهل الملل الأخرى والديانات الأخرى 0
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا فَذَلِكَ الْمُسْلِمُ الَّذِي لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ فَلَا تُخْفِرُوا اللَّهَ فِي ذِمَّتِهِ )
وقال الشافعي : ـ إن صلى في دار الحرب حكم بإسلامه ، وإن صلى في دار الإسلام لم يحكم بإسلامه0
أورد صاحب المغنى : (إذا صلى الكافر حكم بإسلامه ، سواء كان في دار الحرب أو دار الإسلام أو صلى جماعة أو فردا.
قال أبو حنيفة إذا صلى الكافر في جماعة أو بجماعة حكم بإسلامه - وكذا إن صلى منفردا في مسجده وكذا إن أذن حيث يؤذن المسلمون 0
وقال أحمد : يحكم بإسلامه بالصلاة بكل حال0
ومع التسليم بأن هذه الأعمال قد لا تكون دليلا قاطعاً على اعتبار الإسلام ، فلا أقل من أن تكون شبهة يحتمل معها الدخول فى الإسلام وهذا كاف فى وجوب الكف عنه ، وإثبات العصمة له )
السبب الثالث : الإسلام الحكمى بطريق التبعية :
قد لا يصح إسلام المرء بنفسه تصريحا ، أو دلالة لكونه غير مكلف ، كما لو كان صغيرا أو مجنونا ، فيحكم بإسلامه تبعا لغيره ممن يصح إسلامه بنفسه وتربطه رابطة بالصغير0
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الصغير والمجنون هنا لا يقصد بإثبات الإسلام الحكمى لهما تبعا لغيرهما- إثبات العصمة لهما ، لأن الصبى والمجنون معصومان أصلا ، حيث إن الإهدار عقوبة. وهما ليسا من أهل العقوبة ، وإنما فائدة إثبات الإسلام لهما مع الصغر والجنون ، هو معرفة حكمهما بعد البلوغ أو الإفاقة فمن أثبت له حكم الإسلام صغيرا أو مجنونا فهو على عصمته وإن رجع إلى الكفر اعتبر مرتدا ويقتل حينئذ ، ومن حسن إسلامه بقى على عصمته 0
أ- تبعية الصغير ومن فى حكمه تبعاً للوالدين أو أحدهما :
ذهب جمهور الفقهاء إلى اعتبار الصغار ومن فى حكمهم من الأبناء الكبار وهم الْمَجَانِينُ وكذا الْحَمْلُ مسلمين ،بإسلام أحد الأبوين مطلقا لانتفاء الفارق بين الأب والأم فى جهة تبعية الأولاد لهما، فالمراعى جانب الإسلام على كل حال، لأن الإسلام يعلوا ولا يعلى عليه ] - قال تعالى { آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ } 21- الطور
وذكر ابن حزم فى مراتب الإجماع ( واتفقوا أن من أسلم أبواه وهو صغير في حجرهما لم يبلغ أنه مسلم بإسلامها)
ب- تبعية الدار :
نقل ابن المنذر إجماع العلماء - على أن الطفل إن وجد فى بلاد المسلمين فى أى مكان وجد ميتا أن غسله ودفنه يجب فى مقابر المسلمين ومنعوا أن يدفن أطفال المشركين فى مقابر المسلمين – [ ] ومعنى كلام بن المنذر أن لقيط دار الإسلام مسلم ، بدليل أنه لو وجد ميتا يجب أن يغسل ويدفن فى مقابر المسلمين،ولو لم يحكم بإسلامه لم يجب ذلك0 ولا خلاف بين الفقهاء حول الحكم بإسلام الصغير إن التقط صغيرا فى بلاد المسلمين وكان الملتقط مسلما، وكذلك حول الحكم بكفر الصغير إن التقط فى بلاد الكفر وكان الملتقط كافرا [ ]
وقَوْلُ النَّبِيِّ ( : كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ ).مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
فَجَعَلَ كُفْرَهُ بِفِعْلِ أَبَوَيْهِ ، فَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا ، انْقَطَعْت التَّبَعِيَّةُ ، فَوَجَبَ إبْقَاؤُهُ عَلَى الْفِطْرَةِ الَّتِي وُلِدَ عَلَيْهَا ، وَلِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَفْرُوضَةٌ فِيمَنْ مَاتَ أَبُوهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ، وَقَضِيَّةُ الدَّارِ الْحُكْمُ بِإِسْلَامِ أَهْلِهَا ، وَلِذَلِكَ حَكَمْنَا بِإِسْلَامِ لَقِيطِهَا ، وَإِنَّمَا ثَبَتَ الْكُفْرُ لِلطِّفْلِ الَّذِي لَهُ أَبَوَانِ ، فَإِذَا عُدِمَا أَوْ أَحَدُهُمَا ، وَجَبَ إبْقَاؤُهُ عَلَى حُكْمِ الدَّارِ ، لِانْقِطَاعِ تَبَعِيَّتِهِ لِمَنْ يُكَفَّرُ بِهَا [ ] ) 0
وجزاكم الله بكل خير