المقدمة الأصولية
هذه كلمات قد جمعتها من علم شيخ قد بلغ في أصول الشريعة مبلغا وخشيت عليها أن تضيع فنشرتها بين أيديكم من باب بيان العلم ندعوا الله ان يشفيه ويعافيه ويرده الى الحق ردا جميلا مباركا قبل الممات وان يهدينا ويثبتنا على الحق فمن كان عنده علم فيشرحها او يضيف اليها نتعلم منه أو إن كان فيها خطأ فيبينه لنافجزاه الله كل خير
سنتناول هنا الفرق بين القواعد الكلية الراجعة الى التوحيد والقواعد الكلية الراجعة الى الشريعة والفرق بينهما في عملية البحث الشرعي :
أولا : القواعد الراجعة الى التوحيد
تتقدم القاعدة الكلية على النص الجزئي :
:قواعد التوحيد هي قواعد كلية ونص جزئي في نفس الوقت
فقوله تعالى }وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً{ هي قاعدة كلية تشمل الأمر بكل أنواع التوحيد ،والنهي عن كل مفردات الشرك
ومع كونها قاعدة كلية هي في نفس الوقت نص جزئي يحل محل القاعدة في الأمر بأي فرد من مفردات التوحيد بخصوصه ، وكذلك النهي عن أي مفرد من مفردات الشرك بخصوصه ، ومن ثم تكون القاعدة بديلا عن النص الجزئي وكذلك تأكيدا له
فبدلا من النص الجزئي الذي ينهي عن دعاء غير الله كما في قوله تعالى }وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً { هنا تقوم القاعدة الكلية في قوله تعالى }وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً{ مقام النص الجزئي في النهي عن دعاء غير الله ومع اجتماعهما على الأمر بفرد من مفردات التوحيد والنهي عن فرد من مفردات الشرك يتأكد النهي أو الأمر بهم، وهكذا في كل فرد من أفراد التوحيد أو ما يناقضه من الشرك ،حيث تحل القاعدة الكلية محل النصوص الجزئية التي توجب مفردات التوحيد والتي تنهي عن مفردات الشرك وكذلك النص الجزئي في الأمر والنهي بفروع التوحيد أو الشرك هي مما يؤكد القاعدة الكلية فالنهي عن دعاء الله يؤكد القاعدة فكلاهما يؤكد الآخر ويستلزم النهي عن غيره من أنواع الشرك الأخرى
:ومن ثم يتأكد أن التوحيد يفرض بحده والشرك يحرَّم بحده قبل بيان تفصيلاته أي مفرداته ،فكل ما تأخر فرضه أو تحريمه فهو خارج عن التوحيد وعن الشرك الأكبر ، لأن البيان لا يتأخر عن وقت الحاجة ،والحاجة للتوحيد وترك الشرك الأكبر قائمة منذ لحظة البلاغ الأول لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولذا فإن مفردات الشرك الأكبر أو النواقض المكفرة للتوحيد عندما وقعت من مرتكبيها أول ما وقعت وحكاها القرآن عنهم كفرهم بها بحده وقاعدته الكلية قبل بيان كونها من مفردات الشرك الأكبر
اكتفاء بتحريم الشرك بحده بقوله تعالى:- }اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ{.( ) فوقعت الأفعال والتروك مجرمة قبل بيان مفرداتها معاقبًا عليها وهذا بخلاف المعاصي فإنه لا تحريم إلا بنص تفصيلي بكل مفردة على حدة ولا تجريم إلا بتحريم ولا عقوبة إلا بتجريم قال تعالى في موالاة الكافرين:- } وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا{.( ) وقال في الاستغفار للمشركين:} -وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ{. ( ) وذلك كحكم الله في المستهزئين } لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ { [ التوبة: 66].، فلم يوجد نص قبل ذلك يحرم الاستهزاء ومع ذلك حكم الله بكفرهم اكتفاء بالنص الكلى الذي يأمر بالتوحيد في كل فرد من أفراده والنهي عن الشرك في كل فرد من أفراده
وهذا الجانب من القواعد يتميز بأن كل أدلته محكمة وما خالفها يعتبر من باب المتشابه
أما النوع الثاني المتعلق بالشريعة وما يتعلق بها من قواعد فهي متغيرة من رسالة الى رسالة تقبل العوارض منها العلم والجهل تقبل القدرة وعدم القدرة مرتبطة بالرسالة والرسول
فهنا يتقدم الحكم الخاص على الحكم العام
فعند وجود نازلة أو موضع نزاع تكون الخطوات العملية التي يقوم بها العالم للبحث في هذه النازلة عن حكم تتمثل في :
أولا : نبحث في نصوص الكتاب والسنة ،والنصوص منها ما هو عام ومنها ما هو خاص فالخاص مثل صوم رمضان له مناطه الخاص به أي أنه ليس عاما ، ومن ثم يقتصر على مناطه الخاص به فلا الحاق عليه ، فنبحث في النصوص ذات العموم الجزئي والتي يدخل تحت عمومها أفراد مثل تحريم الخمر والربا كقاعدة جزئية لها عموم لفظي ،فاذا لم نجد لها حكم نبحث في العموم الكلي الذي يدخل تحته أفراد كثيرة ،وهذه العمومات راجعة إلى الصيغة ، فعندما سألت السيدة عائشة عن ثواب الخيل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها وعن ثواب البغال فقال فيها وعن البعير في الرباط قال فيها فلما سأل عن ثواب الحمير قال أما هذه فلم ينزل علي نص فيها إلا هذه الآية الفذة و(من يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) فادخلها تحت عموم واطلاق قاعدة كلية راجعة الى الصيغة فهذه النصوص تقدم على الاجتهاد
فاذا لم نجدلها حكم نبحث في العموم المعنوي الذي يعتبر نصا من خلال استقراء الشريعة مقدم على الاجتهاد وإن كان راجعا إلى الاجتهاد فالعموم المعنوي ينقسم إلى نوعين :
أولا : نوع راجع للقاعدة الجزئية وهو عموم معنوي جزئي خاص بالقياس
والثاني : عموم معنوي كلي اي قاعدة كلية من خلال استقراء الشريعة كلياتها وجزئياتها
وهو ينقسم إلى قسمين :العموم المعنوي الكلي الذي لا يدخل تحت إطلاقه أفراد كثيرة حيث يتحدد دورها في أن تشهد لمصالح معينة بالاعتبار أو الإلغاء ،
فجمع المصحف لا تشهد له قاعدة كلية تشمل جمع المصحف وغيره من الأفراد فهولا يدخل تحت عموم قاعدة كلية هو فرد من أفرادها ولكن هنا تتضافر القواعد الشرعية على اثبات صحة المصلحة كمصلحة شرعية معتبرة أم ملغاة ،فهذه القاعدة تكون اجتهادا ،ويفرق بينها وبين القاعدة الشرعية التي تعتبر نصا لا اجتهادا وإن كانت راجعة للاستقراء المعنوي مثلها كسد الذرائع، فعندي نص مستقرأ من الشريعة يقول سد الذريعة اذا ما وجدت الى ذلك سبيلا ،فهذه نص لا اجتهاد ومن ثم يتقدم هذا الأصل على القياس لأنه لا يتقدم القياس على النص أما النوع الأول فيتقدم عليه القياس
ومن هنا فالبحث عن حكم لمناط معين نقدم الجزئي من الأدلة على الدليل الكلي في ترتيب الأحكام ولا يتقدم ما هو راجع للاجتهاد على النصوص الشرعية، فينظر في النص الخاص اي الجزئي الخاص كصوم رمضان فلا يمكن الالحاق به لأنه ليس له عموم لفظي ولا عموم معنوي فلا بحث فيه ، اما اذا كان الحكم عام جزئي مثل تحريم الخمر او الربا فله عموم لفظي والعمل عليه في البداية وكذلك له عموم معنوي نعمل به في الاجتهاد عندما ننتهي من دائرة النص الشرعي فمن الممكن الحاق الاصل بالفرع فيه حيث تتوفر فيه الصفة الجامعة والفرق الغير مؤثر أو مع انتفاء الفارق لاتحاد العلة فألحق غير المذكور بالمذكور وبالخروج من اطار اللفظ نكون قد خرجنا من اطار اللفظ الى اطار الاجتهاد أي من العمومات اللفظية الى إطار العمومات المعنوية ( وفيها تدخل العمومات الجزئية المعنوية الراجعة الى نصوص العموم الجزئي وهنا يكون القياس وكذلك العمومات المعنوية التي لاتعامل معاملة النص كالقواعد التي تتضافر على اثبات معنى معين كجمع المصحف)
فلو وجدنا الحكم في العموم المعنوي للنص الجزئي أخذنا به فاذا لم نجد فيه الحكم نبحث في اطار القواعد التي تتضافر على اثبات معنى معين فيكون مصلحة شرعية أو منعه لأنه مفسدة ،فجمع المصحف لا تشهد له قاعدة كلية تشمل جمع المصحف وغيره من الأفراد فهولا يدخل تحت عموم قاعدة كلية هو فرد من أفرادها ولكن هنا تتضافر القواعد الشرعية على اثبات صحة المصلحة كمصلحة شرعية معتبرة أم لا فتعتبر ملغاة فهذه القاعدة تكون اجتهادا فتكون مصلحة شرعية راجعة الى الاجتهاد وهي تختلف عن القاعدة التي تعتبر نصا والتي يقع تحتها افراد شتى كسد الذرائع ،فالشافعية اباحوا البيوع الربوية على اساس ان النصوص الخاصة بها ضعفوها او لم تثبت عندهم صحتها اما المالكية بناء على قاعدة سد الذرائع حرموا كثيرا منها بناء على سد الذرائع
فالأول اجتهاد يتأخر عن القياس لان المفروض تقديم النص الجزئي ولو بعموم معنوي على النصوص الكلية الراجعة الى الاجتهاد
ومن هنا فالنص يتقدم على الاجتهاد والجزئي مقدم على الكلي في ترتيب الاحكام فنأخذ بالقياس أولا ثم اذا لم نجد نذهب للمصلحة المرسلة الراجعة للاجتهاد، فالمصلحة الشرعية هنا ليست معتبرة بنص جزئي او ملغاة فهي فقط مسكوت عنها وقت التشريع والمسكوت عنه ينقسم الى نوعين يقول الإمام الشاطبي (والجهة الرابعة مما يعرف به مقصد الشارع السكوت عن شرع التسبب أو عن شرعية العمل مع قيام المعنى المقتضى له وبيان ذلك أن سكوت الشارع عن الحكم على ضربين: أحدهما أن يسكت عنه لأنه لا داعية له تقتضيه ولا موجب يقدر لأجله كالنوازل التى حدثت بعد رسول الله فإنها لم تكن موجودة ثم سكت عنها مع وجودها وإنما حدثت بعد ذلك فاحتاج أهل الشريعة إلى النظر فيها وإجرائها على ما تقرر في كلياتها وما أحدثه السلف الصالح راجع إلى هذا القسم كجمع المصحف وتدوين العلم وتضمين الصناع وما أشبه ذلك مما لم يجر ذكر في زمن رسول الله ولم تكن من نوازل زمانه ولا عرض للعمل بها موجب يقتضيها فهذا القسم جارية فروعه على أصوله المقررة شرعا بلا إشكال فالقصد الشرعي فيها معروف من الجهات المذكورة قبل والثاني : أن يسكت عنه وموجبه المقتضى له قائم فلم يقرر فيه حكم عند نزول النازلة زائد على ما كان في ذلك الزمان فهذا الضرب السكوت فيه كالنص على أن قصد الشارع أن لا يزاد فيه ولا ينقص لأنه لما كان هذا المعنى الموجب لشرع الحكم العملي موجودا ثم لم يشرع الحكم دلالة عليه كان ذلك صريحا في أن الزائد على ما كان هنالك بدعة زائدة ومخالفة لما قصده الشارع إذ فهم من قصده الوقوف عندما حد هنالك لا الزيادة عليه ولا النقصان منه ) وقد بينه في مثل قضية زوجة رفاعة عندما طلقت منه فتزوجت من آخر وارادت ان ترجع إليه فادعت على من تزوجته أنه ليس معه مثل ما مع الرجال فعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قصدهاأنها تكذب عليه وتريد ان تعود لزوجها رفاعة فقال لها لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك فهذا نص في التحريم )
واما اذا لم اجد في هذا النوع اذهب الى الاستصحاب فهناك أشياء الاصل فيها الاباحة حتى يأتي التحريم واشياء الاصل فيها التحريم حتى تأتي الاباحة واشياء الاصل فيها التوقف حتى يأتي التشريع فاذا كانت مباحات واذا كانت محرمات تكون كذلك العبادات الاصل فيها التوقف
فالقياس يعتبر الحاق على عموم جزئي والمصالح المرسلة تعتبر الحاق على عموم كلي لكن عندما يكون الحكم الذي اخذته من القياس قد فحش فيكون التخصيص لهابالقواعد الكلية الراجعة الى المصلحة المرسلة فالخمر محرمة لكن للتداوي تخصص لدخول المصلحة المرسلة والعلة لا تنقض هنا فتعميم العلة هنا يتعارض مع قواعد الشريعة ومن ثم يدخل التخصيص فيكون قدمت ما حقه التقديم واخرت ما حقه التأخير حيث يكون ما يطلق عليه الاستحسان وفيه تدخل القواعد الكلية الراجعة الى الضروريات والحاجيات والتحسينيات بحيث لا يتقدم حكم حقه التأخير على حكم حقه التقديم
ومن هنا اذا كان عندي نازلة ابحث لها في عموم جزئي فاذا لم أجد ابحث لها في عموم قاعدة كلية ثم قياس على عموم معنوي جزئي وهنا حالتين
اذا لم اجد الحاق على القياس اذهب الى المصلحة المرسلة
ثانيا اذا وجدت القياس وفحش في موضع اذهب الى المصلحة المرسلة واقدمها عليه ويسمى هذا الاستحسان
اي ان الترك للقياس لأمرين
غير قائم اي لا يوجد عموم معنوي لنص جزئي او كلي
او قائم لكن المعنى الذي ابحث عنه مستثنى لفحشه وتعارضه مع ادلة الشرع فاذا لم اجد في المصلحة المرسلة اذهب الى الاستصحاب
اذا كنا قد قدمنا الجزئيات على كليات الشريعة فما هو دورها
تقديم الحكم الجزئي لأنه يمكن ان يكون مستثنى من حكم كلي من خلال حكمه تعالى افعل او لا تفعل اي ان له حكم جزئي يبين وجه استثناؤه اما اذا تصفحت الحكم الجزئي او العام فلم اجد ووجدت قاعدة كلية تحكمه كفرد من افرادها اعمل به
وهذه الأحكام منها ما هو محكم ومنها ما هو ظاهر ومنها ما هو مجمل يحتاج الى المبين ومنها ما هو مؤول ومنها ما هو متشابه ويدخل عليها النسخ ويتقدم فيها المحكم على الظاهر ويدخل فيها الجمع بين اطراف الادلة الى غير ذلك من القواعد الشرعية التي تحكم عملية البحث عن الحكم الشرعي في مسألة من المسائل وخلاصة هذا الكلام كله ما يلي:
1- قضايا الأعيان لاتكون بمجردها حجة ـ ما لم يعضدها دليل آخر ـ لاحتمالها، فإن كان هذا شأنها فلا يصح أن تعارض بها قواعد الشريعة الكلية.
2- الجزئي لا يقف للكلي ولا ينهض أن يعارضه، بمعنى أن يرفع أحدهما حكم الآخر جملة، أما إذا كانا جاريين مجرى العام مع الخاص أو المطلق مع المقيد، فمن الممكن أن يخصص الجزئي الكلي ولكن بشريطة أن:
أ- يستند الجزئي في تخصيصه للكلي إلى كلي آخر. فيرجع الأمر بذلك إلى تخصيص الكليات بعضها بعضًا.
ب- ألا يقدح التخصيص في قطعية الكلي.
وعمومًا بالنسبة لأي استثناء عن مقتضى الكلي، فلابد أن يكون ذلك لعارض عرض حفاظًا على نفس الكلي، ولكن من جهة أخرى، أو على كلي آخر، وأن يكون المستثني معتبرًا في نفسه من غير أن يكون تخلفه قادحًا في كلية القطعي.
وهنا لابد من إيضاح حقيقتين:
أولهما: خاصة بالتخصيص وهى أنه:
أ- التخصيص إنما يكون بالمنفصل.
ب- لا يصح أن تشرع في القول بالتخصيص إلا بعد النظر في الدلالة الشرعية، فإذا لم تكن هناك دلالة شرعية للفظ ينظر في الدلالة العرفية الاستعمالية التي يقتضيها السياق، فإذا لم تكن هناك دلالة عرفية استعمالية صرنا إلى الدلالة الوضعية وهى المعنى الإفرادي للّفظ في وضع اللغة، وهذا البحث مهم جدًا
والثانية: قد يظن عند رد الأحكام المأخوذة من الأحاديث والتي تعارض قواعد الشريعة القطعية أن في هذا المأخذ تعطيلًا للسنن، والحقيقة أن رد هذه الأحكام لمخالفتها للأحكام القطعية هو منهج أشد الناس دفاعًا عن السنن وتمسكًا بها،وهناك قاعدة مهمة جليلة جدًا في هذا الصدد ذكرها الشيخ السماحي في كتابه ”المنهج الحديث في علوم الحديث“ وهى أن معارضة الحديث للقطعيات العقلية أو الشرعية ينظر في الحديث:
أ- «فإن كان قد خُرِّج في الكتب التي تلقتها الأمة بالقبول وأنزلتها مكان الصدارة كالبخاري ومسلم مثلًا فلا تقدح هذه المعارضة في صحة الحديث، ولا يحكم على رجاله بسببها بالوضع وإنما ينظر في الحديث فلعل:
1- المعارضة تكون متوهمة أو مظنونة إذ ذلك أمر نسبي راجع إلى المجتهد.
2- ربما كان الحديث منسوخًا.
3- مـن الخصائص. وقد ذكرنـا القاعـدة في كـون الحكم من الخصائـص أم لا ولا يشترط فيه ذكـر الخصوص.
4- من المتشابه كما يوجد في المعاني القرآنية»( ).
5- ربما كان الحديث إشارة سريعة في حديث للرسول مع صحابي وكَلَه إلى فهم الموضوع مما استفاض واشتهر من إبلاغه عنه صلى الله عليه وسلم كما لو ذكر صلى الله عليه وسلم الدجال مثلًا في خطبة لجمع من أصحابه لأنه مما تعم البلوى به مرات عديدة ثم جاءت إشارة عنه في حديث له مع بعض أصحابه فلا يكون مطالبًا بإعادة البيان في كل حديث إذا كان قد سبق البيان وذاع واشتهر فيوكل المحدَث إلى ما علم من أمر دينه فلابد أن تفهم الإشارات القليلة في إطار ما اشتهر واستفاض من البلاغ والبيان.
ب- «وإن كان فيما دون ذلك من الدواوين فانظر في علله فغالبًا ما تجده معلولًا.
جـ- وإن كان في إسناده ضعف، فضعفه مع معارضته للقطعيات كافٍ للحكم عليه بالوضع وفي كل الأحوال لا يكون الوقوف إلا مع القطعي».
وإنما يأتي تعطيل السنة في الفقه من:
1- تقديم القياس بمعناه الاصطلاحي على خبر الواحد والتفريق في ذلك بين ما رواه الفقيه وما رواه غير الفقيه.
2- تقديم الترجيح على الجمع عند التعارض.
3- اعتبار زيادة السنة على القرآن نسخًا له والسنة لا تنسخ القرآن ومن ثم التوقف في قبولها ( ) وإذا قبلت فتقبل استحسانًا خلافًا للقاعدة.
4- عدم تخصيص القطعي بالظني إلا إذا سبق تخصيصه بقطعي.
5- تقديم عمل أهل المدينة الذي يرجع إلى الاجتهاد على السنة، والأصل تقديم العمل المستمر المتصل من طريق النقل على خبر الواحد لأن العمل المستمر المتصل كالخبر المتواتر فيتقدم على خبر الواحد، وليس هذا شأن ما كان راجعًا إلى الاجتهاد من العمل، أما هذا الأخير فحكمه ترجيح أحد الاجتهادين على الآخر وإن كان العمل بخلاف الخبر فالخبر أولى منه في الاجتهاد: بمعنى إلحاق غير المذكور بالمذكور؛ إن لم يوجد في جزئي فبقاعدة كلية، وهذه القاعدة الكلية إما أن تكون لها صيغة منصوصة أو مستقرأة، فتدخل القضايا المتجددة تحت عموم وإطلاق الصيغة المنصوصة أو المستقرأة، أو تلحق بها بوصف جامع من غير فرق أو مع فرق غير مؤثر إذا لم يكن هناك مانع يمنع من ظهور حكم الأصل في الفرع وبالله التوفيق.
وجزاكم الله كل خير