التربية للنفس والجماعة عند الشيخ أبو بكر ناجي
يقول العالم المجاهد الشهيد الزرقاوي رحمه الله (وأهلُ الحق يمارسون الجهاد بنوعيه؛ جهادَ البنان, وجهادَ السنان. ولكنهم يوقنون أن هذا الحق الذي يحملونه لا بد له من درع يحميه, وقوة تنصره وتسانده, وإلا فَقَدَ محله من العقول وتأثيره في القلوب مهما كانت حججه قاطعة وبراهينه ساطعة. ولهذا أمر اللهُ سبحانه أهلَ الحقِّ بإعداد القوة لإرهاب أهل الباطل ومنعهم من التحرش بأهل الحق والتعدي عليهم. قال تعالى: ( وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ ).
ولهذا كان دينُ الله الحق يقومُ على الكتابِ و السيف, فالإسلامُ دين الحق لا يقوم إلا على ساقين؛ علمٍ وجهاد, فإذا اختل أحدهما؛ اضطرب حبله وفسد نظامه وتمكن منه أعداؤه يفعلون به ما يشاءون. فإن قوام الدين بالكتاب الهادي والحديد الناصر كما قال الله تعالى: ( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ).
لاشك أن منهج الله هو الطريق الوحيد لكمال النفس البشرية ووصولها إلى أعلى الدرجات من الرقي والتطور والكمال الانساني ومن ثم تصبح هذه القمة السامقة محط أنظار البشرية جميعها على مدار التاريخ ،فتأتي النماذج البشرية في أعلى درجاتها بحيث تكون سبيلا يتطلع إليه من أراد الكمال من المجتمع البشري كله في جوانبه المختلفة ، فالإسلام ارتقاء للإنسان والنوع البشري بصفة عامة في ظل عبادة الله ،والعبودية للعباد أو لغير الله في كل أشكالها سفول بالإنسان والجنس البشري كله ،ظلمات بعضها فوق بعض دكتاتوريات متخلفة تختلف في الشكل والدرجة وتتفق في حقيقة السفول .
والمشكلة التي نعيشها الآن هي في الابتعاد عن منهج الله بدعاوي شتى فمع دعوى الدعوة إلى التوحيد نجدهم في نفس الوقت على أرض الواقع يبطلونها بدعاوي شتى من خلال العذر بالجهل والتأويل وغيرها من هادمات للنصوص الشرعية ،فلا يصبح التوحيد توحيدا ولا يصبح الشرك شركا ،من ثم تتغير الحقائق الشرعية،ومع حديثهم عن الجهاد يظهر عن طريق منهج سلمي، كل هذا في وقت شديد الصعوبة على الأمة جميعها وكذلك بالنسبة للحركة الجهادية في ظل حرب عالمية ،ومع هذا نجد كثرة إطلاق أسماء بتيارات دعوية مختلفة تنفصل عن المنهج على غرار السلفية والإخوان لا واقع لها ويخشى عليها أن تذوب في العلمانية كما ذابت من سبقتها من حركات ،كما بدأت تنافسها في الحضور في الفضائيات ،فالإسلام لم يكن مجرد دعوة ، بل لا بد من أخذه بشموله وكليته فهو دعوة وجهاد لتطبيق الإسلام كله ،وهذا يعني عدم الانشغال بالدعوة والإعداد المادي أثناء المرحلة التي تمر بها الأمة بل لا بد من الإعداد للمرحلة التي تليها وإلا فقدت الحركة جديتها وحركتها المواجهة ،وباتت تمثل حركة ثابتة أمام واقع غير واقعها ومن ثم لا يوجد التكافؤ في المواجهة لا من ناحية البيان ولا الجهاد والمدافعة،واقع متغير ينبغي أن يواجه بالأحكام التي يجب أن تتنزل عليه ،وقد سبق أن بينا أن الإسلام كواقع وحركة لا بد أن يتمثل من خلال كتاب يهدي وسيف ينصر في كل مرحلة من مراحله وفق طبيعة تلك المرحلة ،فالمنهج الصحيح هو الذي ربى الفرد والجماعة الأولى ومن ثم كانت القدوة والمثال والنموذج
فالجيل الاول وما كان يواجه من بلاء تحت فتنة واستعلاء الكفر ما فيه من مذلة وطريق إليها كان يرفع ايمانهم بالصبر والخضوع لأحكام الله من حيث كف اليد مع ما كان يبذله رسول الله صلى الله عليه وسلم من مجهودات للخروج من تلك المرحلة وهي استثناء فطريق المذلة أو الوقوع تحت المذلة لا يمكن أن يكون أصلا أو قاعدة يبنى عليها وطريق مستقر تقوم عليه تربية الفرد والجماعة بل هي الاستثناء ،ففي مكة واجه المسلمون فتنة ظهور الباطل واستعلاء الكفر وفي المدينة واجهوا فتنة الجهاد وبارقة السيف وكلاهما جاهد فيه المسلم حيث أعطوا لكل مرحلة حقها فلا افراط ولا تفريط فلم يخرجوا الاستثناء عن حده ولا القاعدة عن حدها ،أما ما نحن فيه الآن نجد أشكال متعددة كلها هروب عن المنهج إلى الاستثناء تتمثل في دعوة فريق من المشايخ للهروب من أي عمل يكون فيه ابتلاء فظلوا يهربون من المواجهة حتى وقعوا في العلمانية
وفريق يرى أن السجن ابتلاء وتمحيص للنفوس ولذلك يحرصون على ذلك ويسعون اليه بإطلاق حتى رجع الكثير عن دينه لأنه لا يلبي الحاجات الأساسية في النفس البشرية لكي تمضي على الاستقامة ، وجماعة الحق ترى الجهر بالحق والاعداد المادي وان حدث السجن فبقضاء الله فعليهم أن يصبروا
ومن ثم اطالة أمد البقاء تحت أيدي الظلمة أو الهروب من المواجهة كلاهما يؤدي إلى تفلت الأتباع والذوبان في الجاهلية ،وكما حدث في السجون من تراجعات ممن لا يظن بهم أبدا ذلك ،أما المنهج الصحيح كما بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يحث أصحابه على الصبر مع عدم اطالة أمد فتنة تلك المرحلة حتى يتفق مع الفطرة البشرية أما بأمر يعود إليها كالتقية أو خارج عنها للخروج من تحت حكمها كالهجرة والترتيب لجمع الانصار لمواجهة الباطل أي السعي لبناء الدولة وهو في مكة حيث دعوة القبائل المختلفة ،ومن ثم فان إطالة أمد الحركة تحت استعلاء الكفر وهيمنته سواء في السجون أو في المجتمع الجاهلي نفسه يؤدي الى خلل في الايمان فضلا عن كونه خللا في المنهج فيؤدي الى الانتكاسة ،والنفس السوية لا بد أن تستخلص حقوقها وإلا فان صبرها ينفد ويؤدي إلى عكس ما يريده الانسان ،ويتضح ذلك من موقف سيدنا بلال عندما رأى أمية بن خلف فلم يتركه حتى قتله شفاء للنفس صارخا خلفه لا نجوت إن نجا ،ومن ثم يتحول الفرد أو الحركة من خلال الخروج عن المنهج والصراط المستقيم الى حركة مسخ باهتة لا قيمة لها ولا دور تؤديه الا من خلال النظام العلماني الجاهلي الذي تعيش من خلاله
فالاستثناء في حق أفراد معينين أو حالات معينة لا يكون قاعدة ومنهاج يسير عليها الاتباع ،ومن ثم قلب الحقائق والمناهج يأتي من خلال وضع الأشياء في غير مواضعها ،ومن ثم يكون الفساد لازما لها لا ينفك عنها لأنها خارجة عن السنن الكونية والشرعية في بناء الدول ومصادم للفطرة البشرية السوية ومن ثم لا يمثل إلا انحرافا خطيرا عن الحق
ومن هنا يحق لنا التساؤل لما أوجد الله من فتنة الاستعلاء وظهور الظلم والكفر مخارج ولم يجعل من فتنة بارقة السيوف مخارج ؟
فبالنسبة لفتنة استعلاء الباطل لها أهميتها في البدايات في تربية النفس على الخضوع لحكم الله مع عدم اطالة فترتها لأنها تؤدي الى تفلت الاتباع كما انها مناقضة للفطرة السليمة التي لا تقبل العيش تحت استعلاء الباطل فترة طويلة فلها حدودها ومن ثم وجدت المخارج
أما فتنة بارقة السيوف فلم يجعل منها مخارج
أولا :لأنها مشروع لدفع فتنة أكبر ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله )
ثانيا : مع هدم الدين تهدم باقي الضروريات الاخرى من حفظ النفس والمال وغيره
ثالثا : فتنة القتال طريق للعز على ما فيها من بلاء عظيم يتخللها من مشاعر العز مما يذهب كثيرا من آثارها أما الآخر فهو طريق مذلة لم يوضع إلا على سبيل الاستثناء
رابعا : القتل في سبيل الله هو أمنية يتمناها الكثير تحت التعذيب والمذلة وينالها الانسان في الجهاد بعزة وبسهولة
خامسا : الوقوع تحت فتنة استعلاء الباطل يؤدي إلى تربية جوانب محدودة في النفس البشرية كالكبر وكيفية دفع النفس أن تذل في سبيل الله ولكن طولها يؤدي الى عكس تلك الأهداف لأنها استثناء يقدر بقدره كالضرورة والسعي لازم وضروري لدفعه أما الجهاد فهو يعالج النفس من كل مخارجها ومداخلها عند النصر والهزيمة والعجب والفتح والعلو، أي يصوغ الشخصية المسلمة المتكاملة فهو مدرسة تربوية متكاملة تخلص فيها النفس من كل حظوظها
سادسا :الجهاد فتنة وفيه دواء لتلك الفتنة ،فتنة قتل النفس ودواء حيث قتل وتخويف أعداء الله ويكفيك أن تحمل سلاحك متحررا من كل أغلال العبودية للباطل خاضعا لأوامر الله وحده
سابعا :كما أن الجهاد رحمة للبشرية حيث كان عذاب الله من قبل ينزل على أهل الشرك والكفر ومن لم ينهاهم من أهل الايمان فهو عذاب استئصال
أما الجهاد فهو أرحم للبشرية من أن ينزل عليها عقاب الله العام مباشرة فالجهاد يمثل وقفا للكافرين عند حدهم ومنعا لتماديهم في الباطل وهداية لبعضهم كما أن السيف لا يقتصر على أهل الكفر بل يتعداهم لأهل الاسلام اذا امتنعوا عن بعض الشرائع كالربا رحمة بهم أن ينشر الفساد والظلم في الأرض بعد إصلاحها
ولا يخفى على أحد قدر القتل والسلب والنهب وهتك الأعراض الذي تسبب فيه تلك القوى الكافرة التي تنكر الجهاد وتسميه بالإرهاب
يقول شيخنا الكريم (أما الحركات السلمية فإن تركهم للجهاد وحثهم للأمة على ترك الجهاد أهم أسباب نزول عذاب الله على الأمة سواء بتسليط بعضنا على بعض في غير نصرة الدين أو بتسليط أعداء الله تجرؤهم علينا أو بغير ذلك من الكوارث التي ينزلها الله كالزلازل ونحو ذلك ثم يقول ولهذا شرع الله القتال لهذه الأمة ليكف به بأس الكافرين ويعذب من يشاء ويتوب على من يشاء برحمته وعلاج ذلك كله بأن يقاتل الدعاة بكل ما تعنيه كلمة قتال من معنى وفي ذلك كما قلنا تمام الرحمة بالعباد ) ونتيجة لقلب المفاهيم صار هؤلاء ينظرون إلى من يقتل في الأمة على أنهم هم الابطال المحافظون على الأمة ولذا ينبغي الوقوف بجوارهم ومن يجاهد ليدافع عن الأمة أنهم ارهابيون يتسببون في قتل الامة ولذا يجب قتالهم سبحان مقلب القلوب
اللهم ثبتنا على دينك
وجزاكم الله كل خير